فليمت الآلاف في سبيل احياء الشعائر الحسينية
حث أئمة أهل البيت عليهم السلام على احياء #مراسم #عاشوراء #الإمام #الحسين -عليه السلام- بشتى أصنافها في أحاديثهم ورواياتهم في فضل زيارة عاشوراء وما لها من أجرٍ عظيم ومنزلة لا ينالها إلا زوار أبي عبد الله الحسين -عليه السلام-.
إن هذا الحث والإصرار من الأئمة -عليهم السلام- على شيعتهم والموالين لهم هو الذي أوصل قضية الإمام الحسين -عليه السلام- إلينا وأبقاها ذكرى خالدة منذ يوم العاشر من شهر محرم الحرام لعام 61 هـ ليومنا هذا، فترى المؤمنين يحييون هذه الذكرى الأليمة في شتى بقاع العالم ملتزمين بقول الأئمة -عليه السلام-. يقول الإمام الصادق -عليه السلام- في حديثٍ له مع فضيل"أحيوا أمرنا رحم الله من أحيا أمرنا"[1]. وما هذه المجالس التي تُعقد في الإمام الحسين -عليه السلام- إلا مصداق لهذا الحديث الشريف.
إن الأئمة -عليهم السلام- ذهبوا إلى أبعد من ذلك في مسألة الإمام الحسين -عليه السلام- وقضية كربلاء، فعندما يصرّح الإمام الحسن المجتبى -عليه السلام- قائلاً "لا يوم كيومك يا أبا عبد الله"؛ تأتي روايات الأئمة -عليهم السلام- لتؤكد أن هذا اليوم وهذه الفاجعة هي استثناء وليس لها نظير أبداً. لذلك لم يأمروا الأئمة -عليهم السلام- باحياءها فقط وإنما احياؤها بالبكاء والتباكي الشاملة لمغفرة الذنوب وإن كانت كزبد البحر؛ حتى وإن كانت تلك الدمعة مثل جناح الذبابة! [2] أفلا يُعد هذا الأمر سراً غيبياً؟ فما قيمة هذه الدمعة حتى تغفر الذنوب لولا أن الأئمة -عليهم السلام- يريدوا بذلك بقاء هذه القضية المفجعة في قلوب المؤمنين وألا تكون في طي النسيان، لذلك يقول الرسول الأكرم -صلى الله عليه وآله- "إن لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبدا.. لا يذكره مؤمن إلا بكى" [3]. ولا يسع المقام لذكر كل الأحاديث التي تحث على البكاء والتباكي على مصيبة أبي عبد الله الحسين -عليه السلام-.
وكثيرٌ هي روايات الأئمة -عليهم السلام- في الحث على زيارة أبي عبد الله الحسين -عليه السلام- ووجوبها على الرجال والنساء أيضاً. يقول الإمام الصادق -عليه السلام- "يا أم سعيد تزورين قبر الحسين عليه السلام؟ قالت: قلت: نعم، قال: يا أم سعيد زوريه فإن زيارة الحسين واجبة على الرجال والنساء" [4]. وما لفظة الوجوب في هذا الحديث الشريف إلا إصرار من الأئمة -عليهم السلام- لبقاء قضية عاشوراء باقية ما بقي الدهر.
بل إن زيارة الإمام الحسين -عليه السلام- وصلت إلى أنها لا تسقط حتى وإنْ صاحبها الخوف والخطر! حيث يقول الإمام الصادق -عليه السلام- في حديث طويل مع ابن بكير "أما تحب أن يراك الله فينا خائفاً؟ أما تعلم أنه من خاف لخوفنا أظله الله في ظل عرشه، وكان محدثه الحسين -عليه السلام- تحت العرش .." [5].
ولذلك تجد أن زوار الإمام الحسين -عليه السلام- لم يتوقفوا عن الزيارة منذ مقتل الإمام الحسين -عليه السلام- وحتى يومنا هذا، رغم سعي الحكومات المتتالية لمنع المؤمنين من أداء الزيارة واستخدامهم شتى أنواع التعذيب من قطع الأيدي والأرجل والسجن والقتل كما كان في عهد المتوكل العباسي "لعنه الله"، وصولاً بتفجير السيارات المفخخة والأحزمة الناسفة، فذهب الكثير من المؤمنين شهداء في سبيل احياء شعائر الإمام الحسين -عليه السلام-.
يقول المرجع الديني الأعلى آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي -دام ظله "إن الهدف من ذلك (أي الشعائر الحسينية) هو بيان وتأكيد أنه لماذا قتل الإمام الحسين صلوات الله عليه. وهذا الذي يجب أن يبقى حيّاً وخالداً وإن استوجب أو أدّى إلى قتل الألوف من المؤمنين والمؤمنات ومن الأتقياء والصالحين" [6]. إن هذه الأرواح التي تزهق وتمسّك المؤمنين بأداء الشعائر الحسينية المقدسة هي التي أبقت قضية مقتل الإمام الحسين -عليه السلام- خالدةً لهذا اليوم.
ومع كل هذه الروايات التي تحث على زيارة الإمام الحسين -عليه السلام- مع الخوف والخطر؛ تجد من يشنّع على المؤمنين لقيامهم بذلك، متجاهلين كل تلك الروايات من الأئمة -عليهم السلام- وآراء المراجع العظام، ومتجهين للعقل والاستحسان اللذان لا يصمدان مع جميع الممارسات الدينية كالصلاة والحج على سبيل المثال.
وهذا الأمر ينطبق على شعيرة التطبير المقدسة والتي روَّج ضعاف النفوس في الأيام الماضية عن وفاة أحد المطبرين في يوم العاشر! وقاموا بالتطبيل والتهريج بهذا الخبر، غير أن الواقع قد أخرسهم بعد كشف بطلان هذا الخبر.
ومع ذلك، لو أن ذلك المطبر قد توفي بسبب التطبير؛ هل يستدعي أنْ يُشنَّع على ممارسة هذه الشعيرة المقدسة؟ ولو فرضنا جدلاً أنه مات؛ فالموت يأتي في أي حالة كنت عليها. فهناك الكثير ممن مات في موسم الحج؛ فهل يتم التشنيع ضد هذه الشعيرة بسبب موت بعض الحجاج؟! يقول آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي -دام ظله- بهذا الخصوص "حتى في موسم الحجّ يموت بعض الحجّاج، وهذا أمر بديهي وطبيعي، وكذلك قد يموت بعض اللاطمين في عزاء اللطم، ولكن هذا لم يحصل في تلك الشعيرة (التطبير) أبداً". ويكمل دام ظله "نعم، ليس المبنى أن تحدث معجزة في الشعائر الحسينية المقدّسة دائماً. فإن تعرّضتم أيها المقيمون للشعائر الحسينية المقدّسة لمشكلة أو أذى فلا تهتموا لذلك" [7].
أخيراً، إن أي قضية مقدسة تحتاج إلى زهق الأرواح وبذل الأنفس من أجل احياءها، فما بالنا بقضية كقضية عاشوراء الإمام الحسين -عليه السلام- والتي هي استثناء في كل شيء! فهناك كثير من الشخصيات ضحّت بنفسها في قضايا لا تمت للدين بصلة؛ إلا أنها تعتبر رمزاً من الرموز ويفتخرون بها! غير أن الأمر يُعد قبيحاً في نظر البعض إذا ارتبط ذلك بالإمام الحسين -عليه السلام-. لذلك يجب على المؤمنين ألا يهتموا لتلك الأصوات النشاز؛ فالأجر على قدر المشقة و"من المؤسف أن لا يتعرّض الإنسان حتى لمشكلة واحدة في سبيل إقامة الشعائر الحسينية المقدّسة. ولذا على الذين يتعرّضون للمشاكل أن يفرحوا ويسرّوا، ولا ينزعجوا ولا يتأذّوا".