بين عدالة الصحابة وعدالة المراجع!
يؤمن المخالفون بمنهج عدالة جميع صحابة الرسول الأكرم ، ويترضون عليهم جميعاً حتى وإن كانوا بالأصل منافقين وأعداء لله!
وهذا المنهج واضح وجلي من ناحية تقديسهم لكثير من الرجال ”الصحابة“ الذين عُرِف عنهم بأنهم منافقين؛ وأن تلك الصحبة للرسول الأكرم لا تعطيهم أي حصانةٍ أو ميزةٍ داموا لم يحترموا تلك الصحبة ولم يطبقوا نهج الرسول الذي رسمه لهم وأمرهم باتباعه، لكنهم خالفوه واتبعوا هواهم. ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ﴾ [القصص: 50].
وزيادةً على ذلك اختلقوا لهم بعض الأعذار الواهية والتي لا تصمد أمام الشرع والدين الحنيف!، ومن تلك الأعذار مقولة ”اجتهدَ فأخطأ“! والتي باتت تراق بها دماء المسلمين وتسفك ليل نهارٍ دون رادعٍ لهم. فمن اجتهد وأصاب فله أجران، ومن اجتهد وأخطأ فله أجرٌ واحد فقط. ولذلك تجد أن حكام ما يسمى بالدولة الإسلامية قد خاضوا في دماء المسلمين وقطّعوا الرقاب بعدما وجدوا لهم العذر الذي يعطيهم الصبغة الشرعية لأفعالهم الوحشية.
وبهذا المنطق الأهوجِ والأعوج أصبحَ القوم لا يتورعون في قولِ «سيدُنا يزيد قتلَ سيدُنا الحسين»!، وبالتالي يصبح القاتل والمقتول سواسيةً وكلاهما في الجنة حسب مدعاهم، لأن القاتل قد اجتهد وأخطأ، والمقتول كان ضحية ذلك الإجتهاد. في حين أن الله عز وجل يقولُ في كتابه الكريم ﴿مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: 32].
وحين الحديث عن عدالة الصحابة ووضعهم في ميزان الجرح والتعديل، تُوصَفُ تلك الأفعال بأنها فتنوية ويجب الحذر منها، وما إلى ذلك من أوصافٍ تُرعبُ سامعها.
وفي حين أننا ننتقدُ منهج المخالفين في عدالة الصحابة ونؤلف الكتب في دحضِ هذا المنهج، إلا أننا نعاني من نفس المنهج ولكن بغلافٍ آخر وهو «عدالةُ المراجع»، والأمر لا يختلف كثيراً عن منهج المخالفين.
يقول الإمام الحسن العسكري - - في رواية الإحتجاج ”فأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه، حافظا لدينه، مخالفا على هواه، مطيعا لأمر مولاه، فللعوام أن يقلدوه، وذلك لا يكون إلا بعض فقهاء الشيعة لا جميعهم، فإنه من ركب من القبايح والفواحش مراكب فسقة العامة فلا تقبلوا منا عنه شيئا، ولا كرامة...“ [الاحتجاج للطبرسي ج2 ص263]. فالإمام العسكري - - قد حدد صفات الفقهاء الذين نقلدهم، وبالتالي فعدالة جميع المراجع لا تستقيم مع وجود مدعين لها أو ساقطةٌ عدالتهم، ولا يحتاج هذا الحديث الشريف لشرحٍ مفصل.
إن مسألة خلق الأعذار لبعض المراجع الذين سقطت عدالتهم لا تختلف كثيراً عن خلق المخالفين الأعذار لبعض الصحابة، فمقولة «سيدُنا يزيد قتلَ سيدُنا الحسين» تتكرر لدينا باسماء علماء ومَراجع، ولربما يأتي اليوم الذي يقال فيه على سبيل المثال «مرجعنا ”..“ قتلَ مرجعنا ”..“»! ولا نعرف بهذا المنطق من هو الظالم ومن هو المظلوم. إن منهج عدالة الصحابة ساوت بين أمير المؤمنين علي وبين معاوية - لعنه الله - حتى قال الإمام علي ”أنزلني الدهر ثم أنزلني حتى قيل علي ومعاوية“. فهل من الصحيح أن يتساوى المراجع العظام الذين أفنوا حياتهم في الحوزات العلمية والتدريس بأولئك المدعين للمرجعية أو من تلطخت أيديهم بدماء الأبرياء؟
كما أننا حين التحدث عن تلك المساوئ والظلامات على مراجع الدين العظام والعلماء، تُوصفُ تلك الأعمال بأنها تسبب فتنة وتصدع البيت الشيعي! وليت شعري أيهما الفتنة؟ قتل المراجع والعلماء وفرضُ الإقامات الجبرية عليهم أم الحديث عن تلك الظلامات؟ إن الصورة أصبحت معكوسةً في عقولهم وبات التصدي لأولئك وفضحهم يشعل الفتنة، في حين أن الواقع خلاف ذلك.
إن الفتنة التي تميّز الحقَ عن الباطل هي خير فتنة ف «الفرقة في الحق خير من الوحدة على الباطل». لقد أصبح القتل والإعدام ومصادرة الأموال أمراً طبيعياً، بينما التصدي لتلك الأفعال هي الفتنة؛ فقد اجتهد الحاكم وربما أصاب وربما أخطأ! ولاشك أن إظهار الحق يسببُ فتنةً وصدعاً فهو الفارق بين الخير والشر، وهذه سنة من السنن الإلهية. قال الله تعالى في كتابه الكريم ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ﴾[العنكبوت: 2]. ولذلك على الإنسان أن يتبع الحق فالحق أحق أن يُتبع.
إن على الشيعة التمييز بين الفقهاء والمراجع العدول الذين ذُكرت صفاتهم في حديث الإمام العسكري - - وبين أولئك الذين سقطت عدالتهم أو المدعين للمرجعية، وألا يكونوا كالمخالفين ومنهجهم الهش في عدالة الصحابة. يقول الرسول الأكرم - - ”أشرار علماء أمتنا: المضلون عنا، القاطعون للطرق إلينا، المسمون أضدادنا بأسمائنا، الملقبون أضدادنا بألقابنا، يصلون عليهم وهم للعن مستحقون، ويلعنونا ونحن بكرامات الله مغمورون، وبصلوات الله وصلوات ملائكته المقربين علينا عن صلواتهم علينا مستغنون“ [الاحتجاج للطبرسي ج2 ص263]. فهل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟
على الشيعة ألا ينخدعوا فليس كل من لبس رداء العلماء والفقهاء أصبح من المقدسين الذين يجب إتباعهم وطاعتهم! بل الواجب فضحهم ورد ما يقولوه والبراءة منهم إذا أحدثواً أمراً خلاف الدين كما يقول الرسول الأكرم - - ”إذا رأيتم أهل الريب والبدع من بعدي، فأظهروا البراءة منهم، وأكثروا من سبهم، والقول فيهم والوقيعة، وباهتوهم، كي لا يطمعوا في الفساد في الإسلام، ويحذرهم الناس، ولا يتعلمون من بدعهم، يكتب الله لكم بذلك الحسنات، ويرفع لكم به الدرجات في الآخرة“ [وسائل الشيعة ج11 ص508].
وخيرُ مثالٍ على ذلك؛ خروج التوقيع المقدس لصاحب العصر والزمان الإمام المهدي - - بضلال وانحراف محمد بن علي بن أبي العزاقر الشلمغاني، وهو الذي كان من أعلام الشيعة في زمانه وله مؤلفات كثيرة ملأت المكتبات الإسلامية في ذلك الوقت! غير أن انحرافاته وضلاله لم تمنع من اصدار ذلك التوقيع الشريف من الإمام الحجة - -. فهل الإمام المهدي - - يسعى للفتنة بهذا التوقيع - والعياذ بالله -؟! أم أن الواجب هو ردع أولئك المنحرفين عن جادة الصواب؟
أخيراً؛ إن من يضحك ويستهزئ بالمخالفين ومنهجهم في عدالة الصحابة، عليه أولاً أن يضحك على واقعه وأن ينقد بيته قبل بيوت الآخرين، وإلا فعليه بقبول منهج المخالفين أو السكوت عنهم على أقل تقدير!؛ لأنه لا يختلف عنهم بمنهجه في عدالة جميع المراجع أو كل من سُمّيَ مرجعاً!
نسأل الله العلي القدير أن يحفظ جميع مراجعنا العظام العدول من كل سوءٍ ومكروه وأن يسدد خطاهم في الذودِ والدفاع عن الدين المحمدي الأصيل تحت عناية صاحب العصر والزمان الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف.