العلمانية في فكر الإمام الشيرازي «2 - 2»
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين الصلاة والسلام على النبي الأمين محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم على أعدائهم وظالمي شيعتهم إلى قيام يوم الدين.
العامل الثاني: الأطماع الاستعمارية ومحاربة الإسلام.
الدولة الإسلامية إلى زمن الدولة العثمانية تمثل إمبراطورية كبرى تستعصي على الانكسار والهزيمة، وكان الإسلام دينها الذي يمثل سر وحدتها وتماسكها رغم تعدد أعراقها وجغرافياتها، مما جعل من قوى الغرب الاستعمارية تتحين الفرص للإطاحة بتلك الإمبراطورية لتبلغ منها مطامعها ولتتفرد بخيرات شعوبها وأقطارها، ومن هنا « تظهر لنا مؤثرات ناجمة عن اتجاه الغرب الاستعماري إلى التوسع على حساب مجتمعات الدول الإسلامية القائمة حاليا، وكذلك على حساب امتداد الدعوة والتبشير الإسلامي الذي يلقى مقاومة منظمة مبرمجة من قبل القوى العلمانية واللادينية الإلحادية وبحماية من القوى الماسونية» «1».
فالعلمانية تمثل حصان طروادة للأطماع الاستعمارية في عالمنا الإسلامي تمكن الاستعمار من خلالها إضافة إلى محاربة الإسلام الاستحواذ على خيرات الشعوب الإسلامية حتى « تحولت تركيا بسبب العلمانية إلى مستعمرة خاضعة للولايات المتحدة بعد أن كانت سيدة الكرة الأرضية» «2»، ليتضح لنا من كل ذلك أن العلمانية تمثل المعول الذي استعمله الاستعمار لتحطيم القوه الإسلامية والأداة التي اتخذها لمحاربة الإسلام والالتزام الديني في العالم الإسلامي، حتى وجدنا كيف أن الاستعمار واليهود عمدوا إلى «تأسيس عصابات ذيلية ترتبط بهم مطلية بصبغة الأحزاب السياسية العلمانية» «3».
الترويج للعلمانية وتسويقها في عالمنا الإسلامي لم يكن إلا أداة لمحاربة الإسلام ووسيلة لاستعمار البلاد الإسلامية وتحقيق أطماعهم فيها حتى باتت الأمة الإسلامية « ترزح تحت كابوس حكام نزوا على الحكم بلا كفاءات ولا معتقدات إسلامية، وفرضوا على الأمة المسلمة أنظمة مخترعة من مثل القومية أو البعثية أو الشيوعية أو الديمقراطية المزيفة أو العلمانية» «4»، بل « في حقيقتها أسوء من الأنظمة العلمانية، لأنها جمعت بين سيئات القومية وسيئات العلمانية، مضافة عليها الجشع الغريب والجهل الفظيع» «5».
يبدو أن العلمانية لم تكد تنتهي دورة حياتها في عالمنا الإسلامي حتى طفقت إلينا راجعة بطور جديد أجريت عليها تحسينات تواكب اتجاه الرأي العام الإسلامي الذي بدأ يلفظ منظومة الاستعمار المستوردة من أحزاب وأنظمة سياسية وقيم وأفكار منحرفة وانحلالية وأبدى تمسكا قويا بدينه وقيمه الإلهية الإسلامية الأصيلة، وبعد أن استنفذ الاستعمار أغراضه من تلك الأنظمة والأحزاب العلمانية في عالمنا الإسلامي وشاهد كيف أن الشعوب الإسلامية عبرت عن سخطها وتذمرها من تلك الأنظمة وأطلقت ثورتها عليها، بعد كل هذا إذا بنا أمام طراز جديد من العلمانية ولكن هذه المرة بلمعة دينية، يقودها متأسلمون قد سبقت لهم موقعية في تيار الحركة الإسلامية، ويحاول هذا التيار الجديد «العلماديني» أن يقدم العلمادينية بطريقتين من طرق العرض والتسويق لعل ثمة من يقع في شراكها:
الأولى: يقدم العلمانية بمقاربة وتأويلات دينية إسلامية لينتهي في القول بأن الإسلام علماني النزعة وان العلمانية ليست ببعيدة عن الرؤية الإسلامية، وقد عالج الإمام الشيرازي الموقف تجاه هذا النحو من السلوك في تسويق العلمانية باسم الإسلام في جوابه على سؤال يقول " هناك من يتحدث عن علمانية الإسلام، فهل يمكن أن نسمح بمقاربة إسلامية علمانية؟
الجواب: الإسلام يختلف عن العلمانية، فالإسلام جاء بحرية الإنسان، واحترام حقوقه بالشكل المطابق لفطرة الإنسان وعقله، لأن ما جاء به الإسلام مستوحى من السماء ومن خالق الإنسان الذي هو اعرف بما يصلح الإنسان مما يفسده، بينما العلمانية وان جاءت بشيء فإنما أتت به من حياكة وصناعة بشر لا يستوعبون تماما ما يصلح الإنسان مما يفسده" «6»، فالعلمانية مهما تقاربت مع الإسلام في بعض الأبعاد إلا أن الجذور والمبادئ الفكرية تختلف تماما مما يفضي بطبيعة الحال إلى نتائج متباينة.
الثانية: يقدم العلمانية باعتبارها مَرْكب الحداثة والعولمة ويسوقها كنظام إنساني يحوي جملة من الحلول السياسية لواقعنا مدعيا اقتصار الاقتباس على النظام دون الأفكار العلمانية، مستغفلا بذلك الناس والبسطاء عن كون المبادئ الفكرية العلمانية لها محورية في بناء هذا النظام وصياغته بما يجعله يؤول لا محالة للاصطدام مع التشريعات والمبادئ الإلهية الإسلامية، ناهيك عن أن الترويج للنظام العلماني في حقيقته إنما يدخل في مساعي عولمة النظام الغربي والأمريكي، وقد تنبه الإمام الشيرازي إلى هذه الحقيقة مبكرا حين قال « يحكم هذا النظام الجديد أو عولمة النظام الأمريكي أيضا العلمانية التي لا تخضع للشرائع الإلهية ولا تلتزم بأحكام دينية» «7».
هذا الطرح الجديد - العلمادينية - في واقعه ناشئ ومنبثق من عدم إيمان رواده بامتلاك الإسلام نظاما لإدارة شؤون الأمة العامة سياسيا واقتصاديا وما شابه بل يرون كل ما صدر من المعصوم أبان حكمه هو مجرد قرارات وإجراءات وقتية زمكانية لا تحمل الديمومة وغير قابلة لاستنباط كليات قانونية ودستورية منها بما فيها أقوال المعصوم وتشريعاته المتعلقة بالشؤون العامة، بيد أن الإمام الشيرازي يعارض هذه المقولة الواهمة قائلا «لاشك أن الإسلام له نظام خاص للحكم وإدارة شؤون المجتمع» «8».
ولكن يبقى السؤال.
هل سينجح الغرب والاستعمار في تسويق العلمادينية في المجتمعات الإسلامية أم لا؟
إجابة هذا السؤال رهن بكفاءة الحركة الإسلامية النهضوية في رد هذا الهجوم الفكري الجديد.